ولادة بنت المستكفي هى إحدى المُبهرات المُبدعات في زمانها، حيث أميرة أندلسية، فتَنت الجميع بجمالها وثقافتها وإبداعها في نظم أبيات الشعر، فنسجت بها بساط ذهبي تتمايل فوقه بكبريائها وقوة شخصيتها، فتصفق لها أيادي الصفوة والعامة في كل حين، هى تلك الأديبة العائمة في نهر من الثقافة والأدب، والتي أجبرت الجميع على الإشادة بها، حتى تناقلت إلينا بعضًا من حكاياتها فكدنا نظنّ أنها فتاة هاربة من أساطير الزمن.
لمحة في حياة ولادة بنت المستكفي
هى ولادة بنت المستكفي تلك الشاعرة العربية، سليلة الخليفة محمد بن عبد الرحمن، الشهير بالمستكفي بالله، حيث ولدت في 1001 ميلادية، وعاشت في غرناطة حياة ممتزجة ببذخ الأميرات، ودلال الفتاة الفاتنة، وجاذبية الشاعرة الملهمة، صاحبة الأحاسيس الراقية، إلى أن اجتذبت صفوة المجتمع من الوزراء والشعراء وكذلك الأدباء آنذاك حولها، وظلّوا يطوفون في رحاب مجلسها الأدبي كي ينعمون بعذب كلماتها، وأحاديثها الغنيّة بالفكر والثقافة في شتى المجالات بعد أن انتهى المطاف بالدولة الأموية.
مجلس ولّادة بنت المستكفي الأدبي
افتتحت ولادة بنت المستكفي مجلسًا أدبيًا في قصرها الأميري، والذي كان مَقصدًا للأدباء والشعراء بالقرن الخامس الهجري، حيث كانت في استقبالهم كلّ ليلة، تارًة تدور بينهم المناقشات الجدليّة، وبأوقات أخرى يطرب الجميع بصوت غنائها العذب، بينما كثيرًا ما كان الجميع يتبادل إلقاء عصارة عاطفته الجياشة تجاهها في ضوء أبيات شعر كُتبت بنبض قلوبهم، حتى أنها كانت تستمتع بتلك الاعترافات العاطفية المُغلفة بكلماتٍ تشمّ بها عطور الورد وتتلمّس نيران الوجد والهيام، مما دفع البعض إلى إطلاق أحكامهم القاسية عليها إلى حد أن قاموا بوصفها وكأنّها فتاة من فتيات الهوى، بل وصل الحد بهم إلى أن نسبوا إليها أبياتًا شعريّة خارجة عن التقاليد العربية الأصيلة، إلا أن العديد من المؤرخين فيما بعد، قد أنصفوها وأشادوا بشخصيتها المُبدعة الفريدة، وكذلك روحها الطاهرة العفيفة.
ابن زيدون ملهمًا لولّادة
تشير كُتب التاريخ إلى أسطورة العشق التي جمعت بين ولّادة والشاعر والوزير “بن زيدون” والذي كان مهاجمًا لها في البداية، إلى أن دعته يومًا إلى مجلسها فما كان منه إلا أن اصبح من المُتيّمين بها، كما بادلته هى نفس الشعور، حتى أرسلت إليه ببيتين شعر، تُحدد فيهما الموعد الذي تلتقيه به، وتحكي له عن ما تلاقيه من عذاب عشقها له، إلى أن توهجت المشاعر بينهما فأصبحت هى الملهمة للشاعر الوزير المُثقّف، وأصبح هو الملهم الأوحد لها، فإذا بهما ينسجا معًا أروع الأشعار، حتى جاءت الرياح بما لم تشتهيه السّفن، وافترق الحبيبان من دون سبب معلوم لذلك.
شاهد أيضًا: ما هو شراب اهل النار واصنافهم
الشاعرة الأميرة التي لم تتزوج
عاشت الأميرة ولادة بنت المستكفي طوال حياتها ترتحل بين سطور الشعر وجسور العشق من دون كلل أو ملل، وسط المزيد من التفاصيل المثيرة ومن أهمها:
- بالرغم من أن قلبها امتلأ كثيرًا بالمحبّة للعديد من صفوة رجال الدولة إلا أن عشقها لابن زيدون كان هو سيّد عرش قلبها.
- كما أنها ظلّت طوال حياتها بلا زواج، وذلك اعتقادًا منها بأنها الأميرة، وسفيرة الكلمة، وسيّدة العشاق، فلا يليق بها سوى رجلًا كاملًا يليق بها، ولكنها ظلّت تبحث عنه ولم تجده بعد.
- إضافًة إلى أنها كانت ذات كبرياء وفخر واعتزازًا بذاتها، وبما تمتلكه من نسب وثقافة وجمال ومكانة، مما جعلها لا تستطيع العثور على رجلًا يبادلها الوفاء، ويعاملها كملكة على عرش قلبه
- توفيت ولّادة وهى في حوالي عمر الثمانين، فلم تنعم بأنيس يكرّس حياته وأيامه لأجلها، ولم تقرر يومًا الزواج من أحد عشاقها المتيمين.
شاهد أيضًا: اعراض نقص فيتامين d3 عند الاطفال
ختامًا، ولادة بنت المستكفي هى حالة استثنائية للمرأة العربية المتفتّحة والمفعمة بالثقافة والأحاسيس المرهفة، ربما تحالفت الحياة والظروف معها كي تغزل تلك القطعة الماسيّة التي تسمّى “ولّادة” والتي مهما عفا عليها الزمن صارت أغلَى، وأكثر نُدرًة، لذا فسوف تظلّ دائمًا هى الأميرة الشاعرة، والمرأة القوية المُجابهة لكافة التحديات بفخر وعزّة، وكرامة.